مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد استخدام الإنترنت في الحياة اليومية، أصبحت جرائم القذف والتشهير الإلكتروني من أكثر القضايا انتشارًا في المحاكم السعودية.
فما كان يُقال في المجالس الخاصة أصبح اليوم يُنشر على الملأ عبر التغريدات أو المنشورات أو المقاطع المرئية، مما يستدعي تدخل القانون لحماية سمعة الأفراد من الاعتداء اللفظي أو الإساءة العلنية.
نحن في خدمتك
للتواصل او الاستشارة
من هنا يأتي دور المحامي المتخصص في الترافع في قضايا القذف والتشهير الإلكتروني، الذي يمثل المتضررين أمام المحاكم ويعمل على إثبات الضرر والمطالبة بالتعويض المناسب. في هذا المقال نستعرض بتفصيل دور المحامي، وحقوق المتضرر، وآلية التقاضي في مثل هذه القضايا.
ما المقصود بجريمة القذف والتشهير الإلكتروني؟
القذف الإلكتروني هو توجيه اتهام كاذب أو تصريح علني ينال من شرف شخص أو سمعته عبر الوسائل الإلكترونية، مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية.
أما التشهير الإلكتروني فهو نشر أو تداول معلومات أو صور أو مقاطع تهدف إلى الإساءة أو الانتقاص من شخص أو جهة معينة، دون وجه حق، وبطريقة تؤدي إلى إلحاق ضرر مادي أو معنوي بالمتضرر.
وتُعد هذه الأفعال من الجرائم المعلوماتية التي يعاقب عليها النظام السعودي بصرامة لحماية المجتمع من إساءة استخدام التقنية.
ما الإطار النظامي الذي ينظم هذه الجرائم في المملكة؟
تخضع جرائم القذف والتشهير الإلكتروني لأحكام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/17) وتاريخ 8/3/1428هـ.
وينص المادة الثالثة – الفقرة الخامسة من النظام على أن:
“يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 500,000 ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بالتشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.”
وهذا يعني أن المشرع السعودي يولي حماية كبيرة لسمعة الأفراد، ويعتبر التشهير جريمة يعاقب عليها القانون سواء تم بصورة علنية أو رقمية.
ما الفرق بين القذف والتشهير الإلكتروني؟
الفرق الجوهري بينهما هو أن:
- القذف: يتضمن توجيه اتهام مباشر يتعلق بالشرف أو الأخلاق (مثل الاتهام في العرض).
- التشهير: يشمل نشر أو تداول أي محتوى يسيء إلى الشخص دون اتهام مباشر، كإظهار صور أو منشورات مهينة أو أخبار كاذبة.
كلاهما يُعد جريمة، لكن القذف غالبًا ما يُنظر إليه في المحاكم الجزائية باعتباره انتهاكًا خطيرًا للأخلاق العامة.
ما دور المحامي في قضايا القذف والتشهير الإلكتروني؟
يلعب المحامي دورًا حاسمًا في مثل هذه القضايا، حيث يتولى المهام التالية:
- جمع الأدلة الرقمية: مثل الرسائل، المنشورات، التغريدات، أو الصور التي تُثبت الجريمة.
- رفع الدعوى النظامية أمام النيابة العامة أو المحكمة الجزائية.
- صياغة صحيفة الدعوى وفقًا للأنظمة القانونية المعمول بها.
- إثبات الضرر المعنوي أو المادي الذي لحق بالموكل نتيجة التشهير.
- الترافع أمام القاضي لطلب العقوبة النظامية والتعويض المناسب.
- الرد القانوني في حال وُجه الاتهام إلى الموكل نفسه (في حال كان مدعى عليه).
ما أنواع الأدلة المقبولة في قضايا القذف الإلكتروني؟
القانون السعودي يعتمد الأدلة الرقمية كأساس لإثبات الجريمة، ومن أمثلتها:
- لقطات الشاشة (Screenshots) الموثقة لتغريدات أو منشورات أو رسائل.
- روابط إلكترونية توثق وقت النشر ومصدره.
- تقارير من الجهات المختصة مثل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
- المراسلات بين الطرفين عبر البريد الإلكتروني أو تطبيقات المحادثة.
- شهادة الشهود في حال كان التشهير قد انتشر علنًا.
كيف يبدأ الترافع في قضايا القذف والتشهير الإلكتروني؟
- تقديم بلاغ رسمي لدى النيابة العامة أو منصة أبشر ضد الشخص المسيء.
- تحويل القضية إلى وحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية للتحقق من الأدلة الإلكترونية.
- استدعاء المتهم والتحقيق معه حول محتوى النشر والدافع منه.
- إحالة الدعوى إلى المحكمة الجزائية للنظر فيها وإصدار الحكم.
- توكيل محامٍ مختص بالترافع يتابع جميع مراحل القضية حتى صدور الحكم النهائي.
هل يمكن التسوية أو الصلح في قضايا التشهير الإلكتروني؟
نعم، في بعض الحالات يمكن التصالح أو التنازل عن الحق الخاص، خاصة إذا لم يكن الضرر جسيمًا وتمت إزالة المحتوى المسيء وتقديم اعتذار علني.
إلا أن الحق العام يبقى قائمًا، حيث يمكن للنيابة العامة الاستمرار في ملاحقة الجاني في حال رأت أن الفعل يضر بالمصلحة العامة أو بالأمن المجتمعي.
ما العقوبات المترتبة على القذف والتشهير الإلكتروني؟
وفقًا للمادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية:
- السجن مدة تصل إلى سنة واحدة.
- غرامة تصل إلى 500,000 ريال سعودي.
- أو العقوبتان معًا بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها.
كما يمكن للمتضرر المطالبة بـ تعويض مالي عن الأضرار النفسية أو المعنوية التي لحقت به نتيجة التشهير.
كيف يثبت المحامي الضرر المعنوي الناتج عن التشهير؟
إثبات الضرر المعنوي من أكثر الجوانب دقة، ويستند إلى:
- تأثير النشر على سمعة المتضرر بين زملائه أو مجتمعه.
- انخفاض مكانته المهنية أو الاجتماعية بسبب المحتوى المنشور.
- الأثر النفسي الموثق بتقارير طبية أو نفسية عند الحاجة.
- مدى انتشار المنشور أو التفاعل معه في المنصات الإلكترونية.
ويعمل المحامي على توظيف هذه العناصر لإقناع المحكمة بحق موكله في التعويض.
ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية نفسك من التشهير الإلكتروني؟
- تجنب الرد أو نشر محتوى مضاد يزيد من انتشار الإساءة.
- توثيق الأدلة فورًا قبل حذف المنشور أو الرسائل.
- التوجه إلى محامٍ مختص لاتخاذ الخطوات القانونية الصحيحة.
- تقديم البلاغ إلكترونيًا عبر منصة أبشر أو تطبيق كلنا أمن.
- عدم نشر معلومات شخصية أو صور خاصة قد تُستخدم لاحقًا بشكل مسيء.
هل تختلف العقوبة إذا كان التشهير ضد جهة حكومية أو مؤسسة؟
نعم، في حال كان التشهير موجهًا ضد جهة رسمية أو موظف حكومي أثناء عمله، فقد تزداد العقوبة لكون الفعل يمس النظام العام وهيبة الدولة.
وفي هذه الحالات تتدخل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) لمتابعة القضايا التي تتعلق بالإساءة للجهات الحكومية أو العاملين فيها.
دور التوعية القانونية في الحد من جرائم التشهير الإلكتروني
تُعتبر التوعية القانونية من أهم الوسائل للحد من هذه الجرائم، إذ يُسهم المحامون والمستشارون القانونيون في نشر الثقافة الرقمية المسؤولة، وتوضيح أن حرية التعبير لا تعني حرية الإساءة.
كما تسعى وزارة العدل ووزارة الداخلية إلى تعزيز برامج التوعية حول استخدام وسائل التواصل بوعي قانوني يحترم كرامة الأفراد وحقوقهم.
خاتمة
إن الترافع في قضايا القذف والتشهير الإلكتروني يمثل اليوم أحد أبرز ميادين المحاماة الحديثة في المملكة، لما يتطلبه من فهم عميق للتقنيات الرقمية والقوانين المستحدثة.
وجود محامٍ مختص في هذا النوع من القضايا هو الضمان الحقيقي لحماية سمعتك وحقوقك أمام القضاء، سواء كنت متضررًا أو متهمًا بحاجة إلى دفاع قانوني عادل.
وفي النهاية، تبقى الوقاية خيرًا من التقاضي، فالتحلي بالأخلاق الرقمية واحترام الآخرين عبر الإنترنت هو الطريق الأمثل لتجنب مثل هذه القضايا.
المصدر:
وزارة العدل السعودية – https://www.moj.gov.sa
