تعويض الوقف عن الأضرار في نطاق الحرم المكي والنبوي

كيف يتم احتساب التعويض العادل عند تضرر العقارات الوقفية بسبب مشاريع التطوير؟

نحن في خدمتك
للتواصل او الاستشارة

يُعَدّ نظام الوقف أحد أهم الأنظمة الشرعية التي ساهمت في بناء الحضارة الإسلامية، حيث يقوم على تخصيص أصلٍ معين ليُحبس ريعه في أوجه البر والخير. وتحتل الأوقاف الواقعة في نطاق الحرم المكي والنبوي مكانة خاصة، نظراً لارتباطها بالأماكن المقدسة وبالمنفعة العامة للمسلمين. ومع توسع مشاريع التطوير العمراني والخدماتي في الحرمين الشريفين، تبرز قضية تعويض الأوقاف المتضررة كموضوعٍ شرعي وقانوني دقيق يتطلب توازناً بين المصلحة العامة وحقوق الوقف الشرعية.


ما المقصود بتعويض الوقف؟

تعويض الوقف هو المبلغ المالي أو الأصل البديل الذي يُمنح للوقف مقابل الأضرار التي تلحق بأعيانه نتيجة نزع الملكية أو تنفيذ المشاريع التطويرية. ويهدف هذا التعويض إلى حفظ حقوق الوقف وعدم ضياع منفعته، إذ يُعتبر مال الوقف مالاً لله تعالى يُصرف في أوجه الخير المخصصة له.


أهمية حماية الأوقاف في الحرمين الشريفين

تحظى الأوقاف الواقعة داخل حدود الحرمين المكي والنبوي باهتمام خاص من الدولة والجهات القضائية، نظراً لأهميتها الدينية والاقتصادية والاجتماعية. فهي تمثل إرثاً تاريخياً ساهم في دعم الحجاج والمعتمرين والزوار، كما تشكل مورداً مهماً لتمويل المشروعات الخيرية والخدمية. لذلك، فإن تعويض الأوقاف المتضررة يعد مسؤولية كبرى تُراعى فيها أحكام الشريعة الإسلامية ونظام نزع الملكية الصادر في المملكة العربية السعودية.


متى يُستحق التعويض عن الوقف؟

يُستحق التعويض عندما تتعرض العين الموقوفة (كالأرض أو المبنى) إلى ضرر جزئي أو كلي بسبب مشاريع التطوير العامة، مثل:

  • توسعة الحرم المكي أو النبوي.
  • إنشاء الطرق والأنفاق والممرات الخدمية.
  • تطوير المرافق العامة والساحات المحيطة بالحرمين.

وفي هذه الحالات، تُمنح الأوقاف تعويضات عادلة وفق تقييم رسمي معتمد يحدد قيمة الأصل المتضرر، بما يضمن استمرار نفع الوقف وعدم تعطيل مصارفه.


ما الأساس الشرعي لتعويض الوقف؟

يستند تعويض الوقف إلى القواعد العامة في الشريعة الإسلامية، وأهمها:

  • قاعدة “الضرر يزال”: أي أنه لا يجوز أن يلحق الضرر بالوقف دون جبره أو تعويضه.
  • قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”: وهي قاعدة كلية تُلزم الجهات المختصة بدفع التعويض إذا ترتب على قراراتها ضررٌ بمصالح الوقف.
  • مبدأ المصلحة العامة: إذ يجوز نزع ملكية الوقف لمصلحةٍ عامة بشرط التعويض العادل.

ما الجهات المختصة بتقدير تعويض الوقف؟

في المملكة العربية السعودية، يتم تقدير التعويض من قبل لجان متخصصة تضم ممثلين عن الجهات الحكومية المعنية، منها:

  • الهيئة العامة لعقارات الدولة.
  • وزارة العدل (فيما يخص إثبات الصفة الوقفية).
  • هيئة الأوقاف العامة.
  • أمانات المناطق أو الجهات المنفذة للمشاريع.

ويتم التقييم وفقاً لأنظمة نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة الصادرة بالمرسوم الملكي رقم (م/15) وتاريخ 11/3/1424هـ، مع مراعاة خصوصية الأوقاف الشرعية.


كيف يتم احتساب التعويض العادل؟

يتم احتساب التعويض العادل وفق مجموعة من المعايير الشرعية والفنية، أهمها:

  1. تحديد القيمة السوقية العادلة للعقار الوقفي قبل الضرر مباشرة.
  2. تقييم الأضرار الفعلية الناتجة عن المشروع، سواء كانت كلية أو جزئية.
  3. مراعاة طبيعة العقار الوقفي وموقعه داخل حدود الحرم المكي أو النبوي، إذ تختلف الأسعار حسب القرب من المناطق المركزية.
  4. مقارنة التعويض بالأوقاف المشابهة في المنطقة لضمان العدالة والمساواة.
  5. تسليم التعويض للجهة الناظرة للوقف (كوزارة الشؤون الإسلامية أو هيئة الأوقاف) لضمان استثماره في أوجه الخير البديلة.

هل يمكن استبدال العقار الوقفي بعقار آخر؟

نعم، في بعض الحالات يكون الاستبدال بديلاً عن التعويض المالي، وذلك حين تتوافر أراضٍ أو عقارات أخرى يمكن تخصيصها بدلاً من الأصل الموقوف المتضرر.
ويُشترط في الاستبدال ما يلي:

  • أن يكون بإذن القاضي الشرعي المختص.
  • أن يكون العقار البديل مساوياً أو أفضل من الأصل الموقوف.
  • أن يستمر صرف الريع في نفس أوجه البر المحددة في صك الوقف.

ما الإجراءات النظامية لصرف التعويض؟

تمر عملية صرف التعويض بعدة مراحل قانونية وإدارية، وهي:

  1. إثبات الصفة الوقفية للعقار من خلال صك شرعي صادر عن المحكمة المختصة.
  2. تقدير قيمة التعويض من قبل اللجنة المعنية وفق تقارير خبراء معتمدين.
  3. اعتماد القرار من الجهة التنفيذية للمشروع التطويري.
  4. إيداع مبلغ التعويض في حساب الوقف لدى الجهة الناظرة أو هيئة الأوقاف العامة.
  5. تخصيص المبلغ لإعادة استثمار الوقف أو صرفه في أوجه البر البديلة.

ما دور المحامي المتخصص في قضايا الأوقاف؟

يلعب المحامي دوراً محورياً في حماية حقوق الأوقاف أثناء عمليات نزع الملكية أو التقدير، إذ يتولى:

  • مراجعة صكوك الوقف وإثبات صفة الملكية الوقفية.
  • الاعتراض على قرارات التقدير غير العادلة.
  • تمثيل الوقف أمام الجهات القضائية والإدارية.
  • متابعة إجراءات صرف التعويض وضمان وصوله للجهة الناظرة.

ويُفضّل أن يكون المحامي مختصاً في قضايا الأوقاف الشرعية وملماً بأنظمة الحرمين الشريفين، لضمان حفظ حقوق الواقفين والمستفيدين.


هل يختلف التعويض داخل نطاق الحرم المكي والنبوي؟

نعم، إذ تخضع الأوقاف داخل الحرمين لمعايير دقيقة بسبب ندرة الأراضي وارتفاع قيمتها العقارية. وغالباً ما يتم تقدير التعويض بقيم مرتفعة نسبياً مقارنةً بالمناطق الخارجية، لما لتلك الأوقاف من أهمية خاصة وموقع استراتيجي.
كما أن المشاريع التطويرية في نطاق الحرمين غالباً ذات طبيعة دينية أو خدمية كبرى، مما يجعل التقدير والتعويض عملية دقيقة تُراجع من أعلى الجهات المختصة لضمان تحقيق العدالة الشرعية والنظامية.


ما التحديات التي تواجه تقدير تعويض الأوقاف؟

رغم وضوح الأنظمة، إلا أن هناك تحديات قائمة، منها:

  • صعوبة تحديد القيمة السوقية الدقيقة للأراضي الوقفية داخل الحرم بسبب ندرة العقارات.
  • تعدد النظار على بعض الأوقاف القديمة مما يؤخر صرف التعويض.
  • غياب الوثائق الرسمية لبعض الأوقاف القديمة.
  • الخلافات بين الورثة أو المتولين بشأن طريقة استثمار التعويض أو استبداله.

ما الحلول المقترحة لضمان العدالة في التعويض؟

  • توحيد الجهة المشرفة على تعويض الأوقاف في الحرمين لضمان سرعة ودقة الإجراءات.
  • إشراك هيئة الأوقاف العامة بشكل مباشر في كل مراحل التقدير والصرف.
  • تحديث السجلات الوقفية إلكترونياً وربطها بنظام عقارات الدولة.
  • تعيين خبراء محايدين لتقدير القيمة السوقية الفعلية للعقارات الوقفية.
  • تفعيل الرقابة القضائية على قرارات اللجان لضمان العدالة الشرعية.

خاتمة

إن مسألة تعويض الوقف عن الأضرار في نطاق الحرم المكي والنبوي تمثل توازناً دقيقاً بين المصلحة العامة وحقوق الله تعالى في أموال الوقف. لذلك حرصت الأنظمة السعودية على ضمان التعويض العادل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، بما يحقق الاستدامة الوقفية ويحفظ أصولها من الضياع.
ويبقى التعاون بين الجهات القضائية والتنفيذية وهيئة الأوقاف العامة ركيزةً أساسية لضمان أن تبقى الأوقاف في الحرمين مصدر خيرٍ دائمٍ كما أراد الواقفون، دون أن تتأثر مشاريع التطوير المباركة التي تخدم ضيوف الرحمن.


المصدر:

  • هيئة الأوقاف العامة – المملكة العربية السعودية، إطار تنظيم تعويضات الأوقاف المتأثرة بالمشاريع العامة، 2023م.

مقالات ذات صلة: